روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | ماذا علينا.. لو أخذنا في بعض الغم يوم العيد؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > ماذا علينا.. لو أخذنا في بعض الغم يوم العيد؟


  ماذا علينا.. لو أخذنا في بعض الغم يوم العيد؟
     عدد مرات المشاهدة: 2690        عدد مرات الإرسال: 0

بسم الله الرحمن الرحيم.. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أن قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن.

ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق.

اللهم بك آمنا، ولك أسلمنا، وعليك توكلنا، وبك خاصمنا، وإليك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم، وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.

لك الحمد على رمضان، والفطر، والقرآن، والصيام، والقيام، من أعنته ويسرت له الطاعة، ومن خففت من غلوائه، فقصرت به عن الخطيئة.

ومن مددت له يد الإحسان، فمد بها إلى المساكين والفقراء، ومن طهرت قلبه، ليتلقى كلامك، فيتلوه آناء الليل والنهار، بلا كلل ولا ملل.

لك الحمد على نعمة الغنى والصحة والعافية، ولك الحمد على كل حال، قضيت فيه بالمسكنة والمتربة والمسغبة على قوم حارت بهم السبل، فلم يهتدوا إلى طريق الرزق، فلم يجدوا بدا من مد يد المسألة إلى من أغنيتهم وأعطيتهم من متاع الحياة الدنيا.

في مثل هذا اليوم، ويوم الفرح والسرر، هل لنا أن نأخذ في بعض الغم والحزن ؟.

في مقام خطبة عيد، في يوم يمتلئ بالحبور والغبطة، هل يسوغ لنا أن نذكر شيئا ربما أدخل الغم والألم في نفوس مؤمنين مسلمين لبسوا وطمعوا وترفهوا ؟.

ماذا لو لم يكن لنا خيار سواه، حينما يهجم علينا هجوم الموت والمرض ؟.

من الناس من يلوم الخطيب لو تكلم بغير ما يفرح في يوم عيد، وصدقوا في لومهم!!..

فالخطيب الذي يدع الفرح، ويبحث عن الترح، يفتش عنه في غير يومه ولا موضعه، كالمحدث والواعظ بالموت في يوم زفاف، أو مولود، أو عائد من سفر..

لكل مقام مقال.. كما قالوا.

لكن..

لو أن بيتا ابتلي في هذا اليوم، بمرض أحدهم: لم يكن فرحه بالتام، بل يخالطه شيء من الضيق والهم والحزن، لا يملكون رد ما يداخل شعورهم من تنغيص.

ولو أنهم فجعوا بموت كبير أو صغير، لودعوا الفرح واستبطنوا وأظهروا الحزن العظيم، ولم يكن لأحد أن يلومهم، أو ينبزهم، بل يحمد الله تعالى أن عافاه من بلية مثلها في مثله.

وبعض القرابات إذا وقعت أنظارهم على قريب، تعسر عليه أن يلبس جديدا، أو يلبس أولاده ما يستحقونه يوم عيد، ولم يكن بيده ما يشتري لهم به لعبا وما شابه، مما هو طلب الصغير ذلك اليوم: نقص فرحهم، وأدمعوا وبكوا، واغتموا واهتموا لكل ذلك.

هكذا يهجم الحزن يوم الفرح، بغير اختيار ولا تطلب، وما الخطيب إلا مرآة عاكسة لضمير الناس، وما يجدونه في أنفسهم من الراحة أو التعب، فشعوره وكلماته وليدة ما يراه في يومه مع غيره، تطعن في فؤاده، وتعذب روحه، لا يقدر أن يتخلص.

إذا تذكرنا العيد وفرحه..

تذكرنا لزوما معه فقراء المسلمين في أرض الله، وما أرض الصومال عنا ببعيد..

نتذكر أمّا تترك ولدها لعجزها عن حمله أو إطعامه، ووالدا يدفن ولده؛ عظاما وجلدا خِلواً من لحم أو شحم..

نتذكر صورة طفل يموت، وذو مخلب من الطير يترقب؛ ليحمل ما يظنه وليمة أو غنيمة إلى صغاره.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

* * *

الجوع، والفقر، والمسكنة، والمسغبة أمراض أهلكت الإنسان، وأذلته، وتركته بلا عقل ولا تدبير، حتى تخلى عن كرامته وإنسانيته؛ ليتعاطى أخلاقا لا تليق بمكرم.

نرى هذا كل يوم في مساجدنا، يقوم فيها سائل، فيبذل ماء وجهه بالسؤال، بما ينم عن حقيقة مرة: أنه هانت عليه إنسانيته وكرامته، فرضي أن يقف ليعلن للجميع: أنه قابل لاستقبال أوساخ الناس، بل يرجو ذلك رجاء حارا، ويفرح به بما لا يفرح بغيره.

هذا أو غيره لو عاد إلى فطرته، وما أهّل له من المراقي والمنازل، لاستجاز أن يرجم نفسه إن قدر؛ حيث إنه عرض نفسه للدونية، وسعى إليها، ولم يسع إلى أن يكون اليد العليا.

إن الصومال تكشف مصيرا يعيشه بعض الذين هم حوالينا، من رجال ونساء وولدان، إن لدينا من يسكن الصفيح، والغيران، وتحت الأشجار، وفي الخيام..

لدينا من لا يجد مسكنا هو وزوجه وأولاده سوى المركبة "السيارة".

في ليلة العيد نرى الحرائر يخرجن من البيوت لطلب صدقة يسيرة، من المارّ والراكب، والبائع والمشتري، وكل من يلقينه أو يطمعن في إحسانه.

إنه لأمر مخز أن يضطر المجتمع حرائره لمد اليد والوقوف بالأبواب ؟!!.

تلك الضعيفة التي – بطبعها وما جبلت عليه - لا تهتم لأمر المال، وتدع إلى وليها طلبه وإنفاقه، صنع منها المجتمع قالبا مكشوفا يهش ويطرب لسماع صرير الدرهم والدينار.

مؤلم ومحزن حين تراهن في حالة استجداء واستخذاء، ولين مطلق، وخضوع يطمع الذي في قلبه مرض، ويمرض الذي في نفسه ميل، ويحير المشفق الوفي.

من الذي أحوجهن لهذا، وكيف صرن إلى هذا، وفينا من يملك من المال ما لم يملكه قارون، فلو أنفق ربع ماله لأغنى حرائر بلده، وكفاهن الحرج، وسترهن وستر أعراضهن؟.

والله الذي لا إله إلا هو، لو مكثنا يومنا في كلمات حزينة وأليمة عن الذي نراه، لما وفّت وما كفّت، كيف يليق بنا أن نترك أولادا صغارا وفتيات صغيرات يتعرضون للمسألة ؟.

مصيبة المصائب تحل بنا، وأيما أهل عرصة بات فيهم أحد جائع، فقد برئت منهم ذمة الله، وليس الطريق أن يَهِبَّ من يفرق المال هكذا وهكذا، ذات اليمين وذات الشمال، يعطي حينا، ويحرم حينا، يطعم من جوع، ثم يجيع من أطعم!!..

كلا، بل عطاء يمنع الفقر، ويقضي على جذوره، ويجتث أصوله.

ذلك لا يكون إلا برعاية مطلقة تامة، ممن بسط له في اليد والسلطان، وبسط له في المال، أن يضع المشاريع والبرامج لإغناء الفقراء والمساكين، من طريق الكسب والعمل، لا من طريق المسألة.

وقد قام رجل من البنغال يدعى محمد يونس، وهو مشهور، شهره عمل صالح قام به، في أمة فقيرة، مدقعة في الفقر، عندما أنشأ بنكا للفقراء، يقرض بما يفيد الأسرة والمرأة عملا ومهنة، تكون لها أمانا من الفقر، ونجح نجاحا طبق الآفاق، ونال عليه الجوائز.

أليس فينا رجل رشيد، يقوم بمثله، أو أحسن ؟.

غني أن نذكر بالآيات والسنن في الإنفاق، فما نقصت صدقة من مال، والصدقة تطفئ غضب الرب، وتطهر المال والبدن، وتزكي النفوس..

ما نطمع أن نذكر به، والذي ربما حرك نفوسا لم تحركها الآيات والنذر..

أن نتخيل وقد صرنا إلى فقر ومسبغة، وأطفالنا يطلبون منا لعبا، وعيونهم تتوسل إلينا أن نشتري لهم لباسا، وقد لحق بنا العجز، فلا نملك إلا اليسير مما يسد الرمق والجوع.

أن نتخيل وأولادنا يتضوعون جوعا، وليس من أثر لماء ولا أُكل.. الأرض مقفرة، والسماء أقلعت، وغيض الماء، والنفوس تسلم لبارئها، والقبور تفتش لتودع قتلى الجوع والعطش.

فما الظن بنا حينذاك، وقى الله شرها وبلاءها عباده أجمعين ؟.

بعد هذا، ماذا علينا لو أخذنا في شيء من الغم يوم العيد، غمٍّ لحظة لا تتجاوز مدة عشر دقائق، هي مدة خطبة اليوم، ينسى الناس بعدها الغم، ويعودون إلى فرحهم، هل من بأس في هذا ؟.

في كل حال، أمور إذا هجمت قتلت، فلم تنتظر إذنا ولا رضا: الموت، والمرض، والهم والغم والحزن. فلا يلام من حل به شيء منها، بل يلام من لامه، أن كان ميت القلب، يرى المأساة الكبرى تحل على من حوله، وهو يلعب.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

الكاتب: د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجة